المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المطففون وميزان التصنيفات الجامعية



fifi
07-26-2010, 01:06 PM
اصطفت الجامعات السعودية، تتصدرها كالعادة جامعة الملك سعود، لتحتل المراكز الأربعة الأول على قائمة التصنيف الإسباني Webometrics الذي يقدر حجم العمل الأكاديمي والبحثي للجامعات من خلال موقعها الإلكتروني Webometrics! هل يذكركم هذا الاسم بشيء؟

إنه التصنيف نفسه الذي أحدث صدمة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2006 حينما قيم الجامعات السعودية فوضعها في ذيل قائمة الجامعات. ضج المجتمع السعودي وقتها ما بين من يحمل وزارة التعليم العالي مسؤولية هذه الصفعة، ومن يبرر النتيجة بأن التصنيف الإسباني يقيم الجامعات من خلال المحتوى المعلوماتي لموقعها الإلكتروني ولا يتعرض للمنجز الحقيقي، البحثي أو الأكاديمي، للجامعة.

وعلى غير العادة المتبعة في المنطقة العربية، لم يستمر هذا الجدل طويلا، ودخلت الأفكار التصحيحية حيز العمل، بدفع من القيادة السياسية التي ساءها هذا الواقع وهي التي تنفق بسخاء منقطع النظير على التعليم. وإن كان لنا أن نؤرخ لانتفاضة في التعليم العالي السعودي فهو بلا شك تاريخ صدور التقييم الإسباني المحبط. لكن لا الأفكار التصحيحية التي تم وضعها سهلة الامتصاص، ولا الوضع المحبط يمكن قبوله، كما كان لا بد من مواجهة الحقيقة المرة التي تتلخص في أن دولة مثل السعودية بإمكاناتها الهائلة يفترض أن مستوى جامعاتها أفضل بكثير مما كشفه التصنيف الإسباني.

وبعيدا عن أي تبرير يتعلق بمنهجية التصنيف الإسباني في التقييم، فإن الموقع الإلكتروني لأي جهة لا يعكس إلا محتواها الحقيقي، ولم أسمع بمؤسسة لديها محتوى معلوماتي أو معرفي قيم تقبل أن تكون واجهتها أمام العالم ضعيفة، إلا إن كان هناك خلل معتبر في سياستها الإدارية.

الحقيقة أننا لم نكن نملك رؤية واضحة للبحث العلمي، ولا مستوى مقبولا للنشر العلمي، ولا خططا دراسية تواكب محدثات الأمور التعليمية العالمية، ولا حوافز لأعضاء هيئة التدريس، ولا مخرجات تتواءم مع متطلبات سوق العمل، ومعظم منسوبي المؤسسة كانوا غير مطلعين على معايير الجودة في التعليم العالي، حتى شركة «مايكروسوفت» لن تستطيع أن تصمم موقعا يجمل هذا الواقع المخيب للآمال.

وعندما بدأ نداء التصحيح، كان لا بد أن تكون الانطلاقة من عمق مؤسسات التعليم العالي القائمة، على الأقل من واحدة من الجامعات التي أظهرها التصنيف الإسباني تترنح في المؤخرة. كان لا بد من وجود الجامعة النموذج، المبادرة، التي تتحلى بشجاعة الخطوة وتتصدر التغيير، متحملة المسؤولية إن فشلت، ومستحقة للتقدير إن نجحت، وقررت جامعة الملك سعود في لحظة تتغشاها السكينة أن تكون هذه الجامعة.

لا أريد أن أقلب في صفحات الماضي الموجعة، ولكني أتذكر جيدا حينما جاءت جامعة العاصمة، جامعة الملك سعود، في مركز متأخر في التصنيف الإسباني في نوفمبر 2006، هب الغاضبون ليرشوا الملح على الجرح ويمعنوا في الإيذاء رافعين راية التصنيف الإسباني، وهذا رد الفعل المتوقع. ولكن الغريب أن هؤلاء هم أنفسهم الذين شككوا في منجزات الجامعة نفسها، وفي نتائج التصنيف نفسه، حينما جاءت جامعة الملك سعود في المركز الأول عربيا وإسلاميا أربع جولات على التوالي، ومؤخرا في المرتبة الـ164 عالميا!

هؤلاء المطففون عابوا على الجامعة تأخرها في الماضي، ثم عابوا عليها حينما تقدمت الصفوف. والحقيقة أني لا ألومهم كثيرا، لأن استيعاب النجاحات في منطقة مليئة بالإخفاقات والشعارات أمر عسير، الأسهل منه هو الرفض.

التصنيفات هي أحد الموازين الرقمية، ولغة الأرقام لغة مخيفة، لا تعرف المجاملة ولا تحابي أحدا. ما نراه اليوم من تصدر الجامعات السعودية المراكز الأربعة الأول في التصنيف الإسباني هو انعكاس لنجاحاتها الأخيرة، تماما كما كان تأخرها في الماضي انعكاسا لإخفاقها. ومن حق مؤسسات التعليم العالي في المملكة اليوم أن تبتهج بسلامتها من التخلف، هكذا يجب أن يكون واقع التعليم العالي في السعودية، ولنقل إنها خطوة في الطريق الصحيح. ومن حق جامعة الملك سعود أن تشعر بالحبور أنها استطاعت أن تكون الباعث والمحفز لزميلاتها من الجامعات الأخرى، وأن تكون قدوة ليست بالمستحيلة، لأن القدوة المستحيلة ضرب من ضروب الوهم، إنما قدوة ممكنة بالمقاربة والمحاكاة، فالتصنيف الإسباني الأخير يقول: إن جامعة الملك سعود أحدثت هذا التأثير المسؤول، ويقول كذلك مع تصنيف شنغهاي العالمي الذي دخلته الجامعة كمؤسسة تعليم عربية وحيدة، وغزال1، وجوائز الأمم المتحدة، وأكثر من 500 بحث منشور في معهد المعلومات العلمية (Institute for Scientific Information – ISI) خلال ستة أشهر، ونشر في مجلات عالمية مرموقة كـ«Nature» و«Science»: إن جامعة الملك سعود نفسها كانت نائمة، ولم تستيقظ إلا حينما قرع الدكتور عبد الله العثمان الجرس.

* أكاديمية في جامعة الملك سعود :D :D :D :D :D