ماتيجي نجرب
من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه
يقول راوي القصة:
أصابني يومًا من الأيام جوع شديد، ولم أجد شيئًا أدفع به عني ذلك الجوع
وخرجت أبحث عن طعام فلم أجد،
فوجدت كيسًا من حرير مشدود برباط من حرير أيضًا فأخذته وجئت به إلى بيتي،
وحللته فوجدت فيه عقدًا من لؤلؤ لم أرَ مثله قط
فربطته وأعدته كما كان، وخرجت أبحث عن طعام فوجدت شيخًا ينادي ويقول:
من وجد لنا كيسًا صفته كذا وكذا فله خمسمائة دينار،
فقلت في نفسي إني محتاج وجائع أفآخذ هذه الدنانير لأنتفع بها وأرد عليه كيسه؟ ،
فقلت له: تعال إليّ فأخذته، وذهبت به إلى بيتي، وسألته عن علامة الكيس، وعلامة اللؤلؤ،
وعدد اللؤلؤ، والخيط المشدود به، فإذا هو كما قال
فأخرجته ودفعته إليه، فسلم إليَّ خمسمائة دينار الجائزة التي ذكرها،
فقلت له: يجب أن أعيده إليك ولا آخذ عليه جزاءً، قال: لابد أن تأخذ، وألحَّ عليَّ كثيرًا
، وأنا أحوج ما أكون،فقلت: والذي لا إله إلا هو ما آخذ عليه جزاءًا من أحد إلا الله،
فتركني ومضى، ورجع الشيخ بعد موسم الحج إلى بلده،
و خرجت من مكة وركبت البحر في وسط أمواجه المتلاطمة وأهواله، فانكسر المركب، وغرق
الناس، وغرقت الأموال، وسلمني الله إذ بقيت على قطعة من المركب تذهب بي يمنة ويسرة
لا أدري إلى أين يذهب بي، بقيت مرة في البحر تتقاذفني الأمواج من مكان لمكان
حتى لفظتني إلى جزيرة فيها قوم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون فجلست في مسجدهم وكنت أقرأ
فما إن رآني أهل المسجد حتى اجتمعوا عليَّ، فلم يبقَ في الجزيرة أحد إلا قال: علمني القرآن
فعلمتهم القرآن، وحصل لي خير كثير من جراء ذلك،
: ثم إني رأيت في ذلك المسجد مصحف ممزق، فأخذت أوراقه لأقرأ فيها،
قالوا: أتحسن الكتابة؟ قلت: نعم، قالوا: علمنا الخط قلت: لا بأس،
فجاءوا بصبيانهم وشبابهم فكنت أعلمهم فقالوا لي بعد ذلك وهم يريدون أن أبقى معهم:
عندنا صبية يتيمة ومعها شيء من الدنيا، ونريد أن نزوجك بها، وتبقى معنا في هذه الجزيرة
فامتنعت، فألحوا عليَّ وألزموني، فلم أملك أمام إلحاحهم وإصرارهم إلا أن أجبت لطلبهم
، فجهَّزوها لي، وزفُّوها إليَّ، زفها محارمها، وجلست معهم، وإذا بي أنظر إليها وإذا ذلك العقد
الذي رأيته بمكة بعينه معلق في عنقها، دهشت وما كان لي حينئذ شغل إلا النظر لهذا العقد،
فقال محارمها: يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة، لم تنظر إليها، وإنما تنظر إلى العقد،
قلت لهم: إن لهذا العقد قصة، قالوا: وما هي؟
فقصصتها عليهم فصاحوا وضجوا بالتهليل والتكبير، وصرخوا بالتسبيح حتى بلغ صوتهم أنحاء الجزيرة،
فقلت: سبحان الله! ما بكم؟ قالوا: إن الشيخ الذي أخذ العقد منك في مكة هو أبو هذه الصبية،
وكان يقول عند عودته من الحج ويردد دائمًا: والله ما وجدت على وجه الأرض مسلمًا كهذا
الذي ردَّ عليَّ العقد في مكة، اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي، وتوفى ذلك الرجل،
وحقق الله دعوته وقضيت معها مدة من الزمن فكانت خير امرأة، رزقت منها بولدين،
ثم توفيت فعليها رحمة الله، فورثت العقد المعهود أنا وولدي، : ثم توفى الولدان واحدًا تلو الآخر
فورثت العقد منهما،
مواقع النشر (المفضلة)