End Google Ads 201810 - BS.net 01 --> تحميل كتاب – قصة الفلسفة اليونانية pdf







قصة الفلسفة اليونانية لـ زكي نجيب محمود، أحمد أمين
قال الأستاذ أحمد أمين في مقدمة ذلك الكتاب:
لما عاودت القراءة في الفلسفة بدت مني رغبة في أن أكتب خلاصة ما أقرأ؛ فذلك أدعى إلى وضوح الفكرة في ذهني، وإلى أن يَنتفِع بما انتفعت به غيري. وكان من حسن حظي أن رأيتُ أخي وزميلي الأستاذ «زكي نجيب محمود» يريد رغبتي، ويتمنى أمنيتي، فتعاونَّا معًا على إخراج ذلك الكتاب وتقديمه للقراء. وليس لنا فيه أفكار حديثة ولا آراء مبتكرة؛ فلسنا من علماء الفلسفة المتخصصين لها والمتبحرين فيها.
وكل عملنا أننا قرأنا المقال في كتب متعددة وأخذنا خلاصتها، وصغناه صياغة أقرب إلى ذهن القارئ العربي، وتخيرنا ما هو أنسب له وأقرب إلى ذوقه. فليس عملنا تأليفًا بالمعنى الدقيق للتأليف، ولا ترجمة بالمعنى الدقيق للترجمة؛ ومن أجل ذلك اخترنا للدلالة على ما عملناه لفظة تصنيف، فلعلها أدل على القصد، وأصدق في الوصف.
راعينا فيه قدر الإمكان وضوح الفكرة، وبساطة التعبير، حتى أسميناه قصة، كما راعينا الاقتصار على أهم المسائل وأصولها دون التوسع في فروعها وجزئياتها.
وهذا الحديث حسن الدلالة على ذلك الكتاب النافع الجيد، ونرى أن حقيقة الكتاب أكبر مما قضى به «تواضع» الأستاذين في المقدمة؛ فهو أصح الخلاصات عن الفلسفة اليونانية في اللغة العربية، وهو واضح العبارة، حسن الترتيب والانتقاء لما هو أولى بالتدوين في الخلاصات الوجيزة، وهو وافي المراجع، عديد الأصول، بل أحيانا كانت مراجعه وأصوله أكثر مما هو لازم لكتاب في حجمه، وسيحبب الفلسفة إلى قرائه، ويرغبهم في استقصاء المطولات ومتابعة التفكير في تلك المسائل، ويؤدي واجبًا لا بد من أدائه في نهضة الثقافة الحديثة بالبلاد العربية.
ولنا ملمح ة خاصة بعد تلك الملمح ة العامة نبديها على النمط ذلك الذي قرر به الأستاذان ابتداء الفلسفة في بلاد اليونان، فقد قالا في الصفحة السادسة عشرة:
نعم كان في مصر طائفة كبيرة من العقائد تدور حول النفس وما يطرأ على الحياة بعد الموت، ومع ذلك لم يَثبُتْ إنْ كان لديها من العلوم الإيجابية النظرية شيء عديد. ولو عرف المصريون عديدًا من علوم الرياضة لما رأينا في كتب فيثاغورس مجربات أولية للهندسة، مع العلم بأن عهده في التاريخ أتى بعد اتصال اليونان بالمصريين اتصالًا وثيقًا، واستمدادهم من المصريين القليل من معارفهم وحضارتهم، فليست القواعد العملية تلك التى استعملها المصريون في أغراضهم كقياس الأرض وبناء الأهرام هي العلم ذلك الذي قصده كورنيكس، وجاليليو، وكبلر، ونيوتن.
لم تستمد الفلسفة اليونانية أصولها من تلك الأمم القديمة، ومع ذلك خلقها اليونان خلقًا وأنشئوها إنشاءً، فهي وليدتهم وربيبتهم، وليس في ذلك ريب ولا شك. ويقدر على الباحث أن يعود بالفلسفة خطوة بعد خطوة حتى يصل إلى مهدها في بلاد اليونان دون أن يشعر في غضون البحث بحلقة مفقودة أو غامضة.
ونحن إذا ذكرنا بلاد اليونان في ذلك المقام لا نقصر ذلك الاسم على تلك البلاد تلك التى تسمى به اليوم فحسب، إنما نضيف إليها المستعمرات اليونانية — وهي في الواقع مهد الفلسفة — فقد بسط اليونان نفوذهم ونشروا سلطانهم في آسيا الصغرى، وجزيرة صقلية، وجنوبي إيطاليا، وجزء من شمالي أفريقيا. في تلك المستعمرات ولدت الفلسفة وشبَّت قبل أن تنتقل إلى أرض اليونان نفسها.
فهذا التقرير على صحته في الجملة لا يورَد في كتاب فلسفي على ذلك النمط، ولو كان مؤلفه بدون المصريين أو الشرقيين على أوسع تعميم؛ لأن إيراد حكم بغير تعليل يناقض الفلسفة تلك التى نعرفها لنعرف أسباب الأشياء، ونمنع بها إلقاء الأحكام بلا قياس.


فليست النحيزة المصرية وحدها هي تلك التى تقضي على مؤرخ الفلسفة أن يعلل انفراد اليونان بالتفكير الفلسفي في العصور القديمة، وإنما الفلسفة نفسها هي تلك التى توجب ذلك التعليل وتمنع إرساله على ذلك النحو المعطل للتفكير.
وعندنا — كما أسلفنا في القليل من كتاباتنا — أن اليونان لم ينفردوا بالفلسفة قديمًا لأن الفكر الإنساني فيهم «نوع مستقل» يخالف نوع الفكر الإنساني في جملة مزاياه، ولكنهم انفردوا بها لأنهم أمة واهنة لم تنشأ فيها دولة قوية مستقرة، خيال برغم ذلك مقيمون في العمار غير مرتحلين كما يرتحل أبناء القبائل البدويون.
فالمصريون نشأت لهم دولة قوية، فنشأت مع الدولة كهانة قوية، ومن دأب الكهانات القوية أن تسيطر على العقائد والمباحث في أصول الأشياء؛ لأن تلك المباحث تمس — أول ما تمس — جوهر الدين والاعتقاد بالخلق والخالق والفرائض والعبادات؛ فيستولي الكُهَّان على مذاهب التفكير ويصبغونها — كما هو شأنهم — بصبغة المراسم الموروثة والشعائر المقدسة، ويخرجون بها من عالم الفلسفة الطلقة إلى عالم الحدود والحُرُمات الممنوعة.
أما اليونان فلم تكن لهم دولة مستقرة، ولم ينشأ عندهم ما يمنع انطلاق الأفكار في وجهتها الفطرية تلك التى فطر عليها كل الناس، ولو نشأت عندهم الدولة، ونشأت مع الدولة الكهانة؛ لما خاض فلاسفتهم وحكماؤهم فيما خاضوا فيه، واستأثر بأمره جماعة الكهان والسدنة في الشعوب الأخرى.
وآية ذلك أن اليونان — والغربيين عامة — أحجموا عن خوض المباحث الفلسفية حين قامت بينهم الكهانة القوية في بيزنطة وروما، وسيطرت على مذاهب الفكر، وأدخلت كل رأي وكل علم وكل فن في حظيرة الدين.
فحالة الغربيين في ظل الكهانة الغالبة لم تكن تختلف عن حالة المصريين الأقدمين أو الفرس أو الهنود أو الكلدان؛ حيثما تجري الأنهار، ويستقر العمران، ويتوطد الملك ومعه سلطان الكهانات.
وكذلك شاع التفكير لحب التفكير، والبحث في العلوم لحب العلوم حين قامت بين الشرقيين دولة كالدولة العباسية لا تقترن بها كهانة كالتي كانت تقترن بالأديان الأخرى؛ فاخترع العرب والشرقيون ما اخترعوه، وكشفوا ما كشفوه في علوم الطبيعة والفلك والرياضة، كما كان اليونان الأقدمون يخترعون ويكشفون.
تلك هي العلة ولا علة غيرها. ربما يروق المؤرخين للفلسفة بين الغربيين أن يسكتوا عنها ولا يحرصوا على نشدانها؛ لأنهم يبنون على انفراد اليونان بالفلسفة دعوى تشرف عنصرهم، وتعظم عقولهم وطبائعهم، ويتخذون منها برهانًا على رجحان يزعمونه في معدن العقول الغربية على معدن العقول الشرقية من قديمة وحديثة، وذريعة إلى طلب السيادة وتقرير الفوارق الجنسية، ومع ذلك المؤرخ الشرقي لا يُرضي الفلسفة والتفكير، ولا يُرضي نفسه ولا قومه بالسكوت عن تلك العلة، وهي أقرب إلى مَن يطلبها من أن تُنسى ذلك النسيان.
حمل من هنا



المصدر
تحميل كتاب قصة الفلسفة اليونانية pdf